إشكالية المرأة في الثقافة العربية الإسلامية
د. طارق عمر
كانت النظرة الدونية للمرأة جزءاً من ثقافة المجتمع البدوي قبل الإسلام، في جزيرة العرب وما حولها، وربما تأثرت ببعض مفردات العقائد اليهودية، والتي كان الكثير من أتباعها يعيشون في جزيرة العرب في ذلك الوقت، وهي عقائد في معظمها تؤثم المرأة وتضعها في مرتبة أدني. فكانت المرأة تعد من سقط المتاع والأثاث، ومن جملة الميراث، ثم انتهى بها الأمر إلى وأدها في المهد.
وعند ظهور الإسلام في جزيرة العرب، طرح خطاباً ثورياً بمقاييس زمن نزوله، فجرم وأد البنات وساوي بين الناس جميعاً، ناهياً عن التمايزعلى أساس اللون أو العرق أو القبيلة أو الجنس، وجاعلاً التقوي هي معيار التمايز الوحيد بين الناس (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وإستطاع هذا الخطاب المتحضر أن يوحد تلك القبائل والأعراق المتنافرة، في جزيرة العرب وما حولها، ويجعل منها إمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف في أقل من أربعة عقود، وكانت تلك بداية إنطلاق الحضارة العربية الإسلامية والتي تمحورت أساساً حول نصوص الدين الجديد وشروحات الفقهاء والمفسرين. ومع بداية القرن الثاني للهجرة بدأ تدوين الفقه الإسلامي، في الأعم من فقهاء ينتمون لجزيرة العرب ومتأثرين بثقافتها البدوية. وكان بديهياً أن تؤثر تلك الثقافة البدوية علي أراء الفقهاء والمفسرين، فتورط بعضهم في مفاهيم خاطئة وأحاديث موضوعة أو ضعيفة أو مفردة؛ بنوا عليها أحكاماً جائرة حيال بعض قضايا المرأة. ومما يثير الدهشة أن الإمام الزهري (القرن الأول الهجري) يقول “لا يُقتل الرجل في إمرأته، لأنه ملكها بعقد النكاح”! كما نجد الأئمة الأربعة وقد إعتبروا الزوجة كالدار المستأجرة، فلم يوجبوا علي الزوج علاجها إذا مرضت!! دون أن يستندوا في حكمهم هذا علي أيةٍ قرأنية أو حديث نبوي. ولم يكن هذا بالأمر الخطير لو وضعناه في سياقة التاريخي كقراءة أولية للنصوص متأثرة بمكانها وزمانها، لكنها تظل قراءة أولية ينبغي أن يتبعها قراءات أخري متطورة ومتجددة مع تطور الحضارة الإنسانية، وبما يتسق مع مجمل الخطاب الحضاري للإسلام الذي يؤكد علي مبادئ العدل والمساواة والكرامة الإنسانية، حيث يقول القرأن الكريم “ولقد كرمنا بني أدم”.
كان ينبغي إذن أن يظل الإجتهاد في تفسير النصوص وأستنباط الأحكام الفقهية مستمراً بطريقة ديناميكية تتطور مع تطور الزمان و تغير المكان وإختلاف ظروف الحياة، إلا أن الإمام الشافعي قام، بدلاً من ذلك، بوضع شروط صعبة قيد بموجبها مجال الاجتهاد؛ ولاقي ذلك قبولاً لدي الحكام في عصره، مما تسبب في تضييق باب الإجتهاد من بعده. ثم جاء الخليفة المتوكل العباسي (205-247 هـ) فحصر الفقه في أربعة مذاهب فقط، ثم منع الإجتهاد تماماً، وحصره فقط في تفسير أقوال تلك المذاهب الإربعة.. دون الخروج عليها!
ثم إزدادت النظرة سوءاً في عصر التراجع الحضاري، بدءاً من منتصف القرن الرابع الهجري وحتي عصرنا الحالي، فبات يُنظر للنساء كأسيرات عند الرجال ويُنظر للقوامة – التي ذكرها القرأن – علي أنها لونٌ من “القهر”، حتي وجدنا إماماً كبيراً مثل إبن القيم ، يُعبر عن واقع عصره -المملوكي- فيقول هذا الكلام العجيب “إن السيد قاهرٌ لمملوكه، حاكمٌ عليه، والزوج قاهرٌ لزوجته، حاكمٌ عليها، وهي تحت سلطانه وحكمه أشبه بالأسير” !! وهو ما يتناقض تماماً مع قوله تعالي “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، وقوله تعالي “وجعلنا بينكم مودةً ورحمة”؛ ولم يقل سلطاناً وقهراً. وللأسف، مازال جزء كبير ومؤثر من الخطاب الديني الحالي، وخاصةً خطاب الفكر الوهابي السلفي، يردد هذا المفهوم الخاطئ، ويعطي للقوامة مفهوم الإستعباد، وهو ما يمثل إنقلاباً جَذرياً لمفهوم الدين الصحيح عن العلاقة الزوجية، وعلاقة المرأة بالمجتمع.
مشكلتنا الرئيسية إذن أن الفكر البدوي تمكن، ومن خلال تأثيره الثقافي علي الفقهاء والمتكلمين، من تضمين نظرته الدونية للمرأة داخل طروحات الفقه والفكر الإسلامي نفسه، ومن ثم إكتسبت قداسة الدين وبما يضمن لها الإستمرارية لدي قطاعات كبيرة من الأمة (رجالاً ونساءاً). ومن المُحزن أن نرى قطاعاً لايُستهان به من النساء يدافعن عن هذا الفكر الظلامي من منطلق فهمهن الخاطئ للدين! ومن المؤسف ايضاً أن البعض الأخر، وممن ينتمين للتيار العلماني، عندما يُردنَ الحصول علي مكاسب مادية في علاقاتهن الزوجية، وبصورة لايمكن تبريرها عبرالمنطق الإنساني السليم وروح العدالة، يلجأنَ فوراً للحصول علي تبريرات من فتاوي وتفسيرات دينية رجعية.. ومن نفس الفقهاء الذين يعتبرون المرأة أسيرة عند الرجل.
يقيني، أنه لابد من التحرر نهائياً من أسر هذه التفسيرات الفقهية الخاطئة والمتأثرة بالثقافة البدوية التي لا ترى للمرأة من دورٍ سوي إمتاع الرجل (في الدنيا والآخرة). بل علينا جميعاً واجب إبداع سياقات فكرية، وفقهية، جديدة لمكانة المرأة ودورها وواجبها، تستلهم المبادئ العليا للدين الإسلامي كالعدل والمساواة (في الحقوق والواجبات)، والكرامة الإنسانية، وبما يحقق الغاية الأسمي للدين وهي “مصلحة الأمة”.
شكراً لكم، وسلمتم علي الدوام
د. طارق عمر
ورقة بحثية – ألقيت في لقاء مجلس الفكر العربي
Mclean, VA – July 30, 2017