Arabthoughtcouncil...


زياد أحمد سلامة

زياد أحمد سلامة يكتب عن الصادق النيهوم

الصادق رجب عبد الرحمن النيهوم أديب ومفكر ليبي ولد في مدينة بنغازي عام 1937. تلقى تعليمه الثانوي في كلية الآداب والتربية -قسم اللغة العربية في الجامعة الليبية، وتخرج منها عام 1961 وكان ينشر المقالات في جريدة بنغازي بين عامي 1958-1959 وهو كاتب متنوع النتاج الأدبي والفكري، وأول ما يلفت النظر في شخصيته أنه يجيد عدة لغات، فإلى جانب اللغة العربية، يجيد الألمانية والفنلندية والإنجليزية والفرنسية والعبرية والآرامية المنقرضة.

(أولى الصدامات)
بعد تخرجه من الجامعة الليبية، عُين معيدا في كلية الآداب؛ وعندما أراد مواصلة دراسته ليحصل على الماجستير، رحل إلى القاهرة من أجل إعداد أطروحة في مقارنة الأديان، لكن مشروعه رفض، بحجَّة أنَّه معادي للإسلام، كما وقع له صدام مع الأديبة المعروفة (عائشة عبد الرحمن / بنت الشاطئ.) موقف (بنت الشاطئ) منه، لم يكن نتاجا لموضوع أطروحته التي تقدم بها فقط، ولا لما كتبه من مقالات دعا فيها إلى رفض وصاية الفقهاء، ولكنه أساسا، كان نتاجا لدراسته التي نشرها حول الرمز في القرآن، والتي خلقت جدلا واسعاً.[1]ويقول مريدوه بأن “بنت الشاطئ كانت أقل مقدرة من أن تستوعب الأفكار الطازجة والمميزة للصادق النيهوم” [2]

أكملَ دراسته في ألمانيا وأعد أطروحته بجامعة ميونيخ تحت إشراف مجموعة من المستشرقين الألمان، ونال درجة الدكتوراه بامتياز. في الأديان المقارنة، ثم انتقل إلى جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إلى جامعة هلسنكي بفلندا، حيث عمل أستاذا مساعدا لمادة الأديان المقارنة بقسم الدراسات الشرقيَّة، من عام 1968 حتَّى عام 1972، وبعد زواجه الأول من سيدة فلندية، وإنجابه لطفلين، قرر النيهوم العودة إلى ليبيا.[3]
بعد صراع مع مرض سرطان الرئة توفي النيهوم في جنيف يوم 15 /11/1994 ودُفن بمسقط رأسه مدينة بنغازي بعد أيام؛ عن سبعة وخمسين عاماً.
كتب النيهوم في الفكر الإسلامي، بالإضافة إلى النقد الأدبي والرواية وقصص الأطفال، والترجمة وكتب عدداً من الموسعات العلمية.

النيهوم مفكراً:
منذ أطروحته التي رُفضت في الجامعة والتي كانت عن الأديان المقارنة بدأ الكاتب بشقِّ طريقه في مجال الفكر والأديان المقارنة، ونُشرت له العديد من الكتب والدراسات حول هذا الشأن، فقد نشر عام 1967م دراسات منها: “الذي يأتي والذي لا يأتي”، “الرمز في القرآن”، وكانت كتاباته تتميز بالحيوية والانطلاق والجرأة، وقد أعطتُه مؤلفاته الفكرية تلك المكانة الرفيعة التي أخذها، ومن مؤلفاته الفكرية أيضًا: “تحية طيبة وبعد” 1972م، “فرسان بلا معركة” 1973م، “صوت الناس” 1990م، “الإسلام في الأسر” 1991م، “إسلام ضد الإسلام” 1995م، “محنة ثقافة مزورة”، “طرق مغطاة بالثلج”.[4]

كتب النيهوم عدداً من الكتب والدراسات والمقالات الفكرية، لا سيما في مجال الفكر الإسلامي والتي منها:

“الإسلام في الأسر، من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟”: صدر الكتاب عام 1991م ويتمحور هذا الكتاب حول فكرة نقد الخطاب الدينى ويناقش الموضوع من عدة محاور أبرزها دور الجامع ومدى ملائمة الخطاب الدينى في فحواه ووسائله وكذلك نظام العدل الاجتماعي في الاسلام كنموذج يحتذى به، وحسب إبراهيم مشارة ففي الكتاب “جملة من المقالات الصادمة، بدءا بالعتبات الأولى (العنوان) للعقل المسلم التقليدي والتنويري معًا، كمقالة “قواعد الإسلام ليست خمسا”، و”ثقافة على ورق”، “شريعة الراعي بلغة الخروف”، “الصلاة المسروقة”، “يا خراف الوطن العربي اتحدوا”، وفهمه لوظيفة المسجد في الإسلام وفريضة الجمعة بل إن العتبة الأولى للكتاب وهي العنوان “الإسلام في الأسر” ثم العنوان الفرعي “من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟” تحيل على حقائق الإسلام المغيبة أو المطموسة أي الجوهر الذي لم يتمظهر، والمظهر الذي لا يتطابق مع الجوهر، وهي إشارة ضمنية إلى إسلام ماهوي قبلي فطري تمت السيطرة عليه وأدلجته لصالح إكليروس ديني وطبقة سياسية مهيمنة اتفقتا على سجن الإسلام لاعتبارات مصلحية تتصل باستراتيجة السيطرة والإخضاع،

وقد تناول هذا الكتاب علي حرب في كتابه نقد النص كما تناول جملة من المفكرين الكبار موافقا معجبا بهم حينا وناقدا لهم في أحايين كثيرة فقد تناول حسن حنفي، محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، ومحمد عمارة، ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم”.[5]

“إسلام ضد الإسلام: شريعة من ورق” صدر الكتاب عام 1991م، وفيه ناقش الكاتب دور (الجوامع) في الدين الإسلامي وأهميتها في نظام الشورى والعديد من المسائل الخاصّة بالعقيدة. تناول إشكالية مزج الفكر المقدس بالفكر التنويري في قالب فلسفي، وناقش الخطاب الديني، ودور الجامع وتفكيك نظام العدل الاجتماعي في الإسلام، وضرورة توظيف ما يسميه النيهوم بـ (حزب الجامع) لإنقاذ الإسلام من عبودية التاريخ، ليواجه الإقطاع والأصولية، وذكر فيه أيضا أن “المجتمع الجاهل لا يملك أفكارا معروضة للنقاش، لأن كل فكرة في حوزته مقدسة أو شبه مقدسة أو ربع مقدسة”.[6]
“نقاش” صدر الكتاب عام 2001م. وفيه ناقش النيهوم العديد من القضايا الفلسفية التي تتعلق بالحياة والموت وإعمال العقل وطريقة الدعوة إلى الإسلام، يرى النيهوم أن بناء المجتمع الحر يبدأ بكسر عزلة الفرد وكسب ثقته للخروج من مخبئه النفسي وإن قضية الثقة ليست موضع اختيار بل هي ضرورة من ضروريات الوجود الإنساني.

وحول الموت قال: فالإنسان الميت هو الشخص الذي فقد ذاته قبل أن يفقد الروح والجسد، والموت لا يحدث لأن الميت يختفي من العالم بل لأنه يفقد ارتباطه بأبعاد الزمن ويصبح قائماً في الفراغ وحده.”

” محنة ثقافة مزورة: صوت الناس أم صوت الفقهاء، ” وصدر عام 1991م. وفيه دعا النيهوم للعودة إلى الأسس الإسلامية كما تناولها المسلمون الأوائل في عهد الخلفاء الراشدين، وفيه يطرح السؤال: لماذا تأخر العرب على الرغم من تقديمهم كل هذه الأفكار التي بنى عليها العالم الحديث أمجاده الحضارية. وهذا السؤال يذكرنا بكتاب شكيب أرسلان:” لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟” الصادر عام (1930). ومن إجابات النيهوم أنه اعتبر أن غياب الإدارة الجماعية للأمة من أسباب هذا التأخر.

في كتابه هذا ناقش تخلف الدول العربية والإسلامية في ظل العولمة، مستعينا بالأدوات المعرفية والعقدية، والنظريات السياسية، لكي يجد حلولا لتخلف هذه الدول. وعبر طروحاته في الكتاب استطاع إثبات أن الإسلام لا يرضى بجميع أشكال الظلم في النظم السياسية والاقتصادية، التي فيها استباحة للحريات كالإقطاع والنظام الشيوعي والرأسمالية الجشعة، وأضاف أن الإسلام دين صالح في كل وقت.[7]

“الذي يأتي ولا يأتي”: ويتناول فيه بعض المسائل المعقدة والفلسفية التي تخصّ المنهج الصوفي صدر الكتاب عام 2002م.
كتاب الحديث عن المرأة والديانات وفيه تناول الكاتب نظرة الأديان السماوية للمرأة والطريقة التي عاملتها عبر 3000 آلاف سنة، ورأي الأنبياء في المرأة، وصدر الكتاب عام 2002م.

يقدم النيهوم في هذا الكتاب دراسة مقارنة حول موضوع رئيسي وهو نظرة الديانات السماوية إلى المرأة، وكيف عاملتها عبر ثلاثة آلاف عام، وماذا قال الأنبياء عنها، باعتبار أن الكتب المقدسة هي المرجع الوحيد المعترف به لهذا التاريخ المعقد، وبيان قيمة الدراسات التي تقوم بها الجامعات في أوروبا لموقف المرأة في الإسلام خاصة، وغايته من ذلك وضع نهاية صورة بسيطة صغيرة لتاريخ الديانات والمرأة، كما حدّت ذلك التاريخ، كما ترويه الأديان نفسها، دون إضافات من قبل الكاتب، فالدراسة المقارنة لا تحتمل غير ذلك، ولا يمكن أن تحقق أهدافها إذا أصرّت على الحياد.
يمكن تمييزُ ملامح مفهوم الصادق النيهوم عن المرأة في كتابه “الحديث عن المرأة والديانات”، حيثُ يرى الصادق النيهوم أن تحرُّر المرأة من سلطة الرجل بدأَ مع عصر الثورة الصناعية في أوربا، حيث استطاعت المرأة في تلك الفترةِ تحقيقَ استقلالها الاقتصاديِّ عن الرجل، لكنَّه يُبدي تخوُّفه الشديد من هذه الخطوة؛ لأنَّه يرى أنَّ المرأة قد أخطأت خطأً فادحًا بالانتفاضِ على وظيفتها الأساسية وأحدَثت خللًا بالنظام الوظيفي للأنواع، ووقعت في فخٍ آخر عندما تحققت لها المساواة مع الرجل، ولذلكَ يرى الصادق النيهوم أنَّ الحلَّ هو أن تلتزمَ المرأة بوظيفتها الأساسيَّة لها وهي الإنجاب والتربية، ويمكن أن تكون مدرِّسة أو مربية فهو عمل تربويٌّ، ويمكن أن تعملَ عملًا يدويًا في بيتها بغيةَ تطوير الصناعات اليدوية، ولذلك فإنَّه كان يطالب بوضع نظام تعليمي يكرِّسُ مهمَّة المرأة التقليدية وهي الحمل والإنجاب والتربية.[8]
وفي الموضوع نفسه كتب النيهوم كتاباً عن الشاعر” نزار قباني ومهمّة الشّعر”. وقام النيهوم بدراسة قصائد نزار قباني دراسة مفصلة تحليلية، فمثلا يبدأ بالحديث عن المرأة التي ارتبط بها شعر نزار فيري أن نزار ليس شاعر المرأة واللقب الذي أعطي له “شاعر المرأة” إنما هو حافل بسوء الفهم وأن النقاد لقبوه بذلك لأنهم لم يجدوا مكانا أكثر وضوحا في قائمتهم الجاهزة سوي باب المرأة فهو يري ان المرأة في شعر نزار مخلوق غير حقيقي بالنسبة لواقع المرأة في العالم.

“الكلمة والصورة” وفيه تناول الكاتب القدرة على وضع مقياس ثابت لمشكلة الجمال والقبح داخل تركيب الكلمات، نشر الكتاب لأول مرة عام 1966م.

عام 1988 بدأ الكتابة في مجلة “الناقد” منذ صدور الأعداد الأول منها في لندن. استمر بالكتابة بها إلى أن وفاته عام 1994، وكان كاتبها الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق، والأكثر جرأة في التصدي للمفاهيم الغيبية السائدة عن الإسلام، والأكثر استفزازاً لمخالفيه في الفكر، ناهيك عن كونه الكاتب الذي شغل كل رقيب في الإعلام العربي، ربما أكثر من أي كاتب معروف حتى الآن. وبقدر ما شغل الصادق النيهوم الرقباء، شغل القراء.
ساهم في الكتابة في مجلة (لا) الليبية،). وعام 2001 صدر كتابه (طرق مغطاة بالثلج).
مع الفكر الإسلامي
بدأ منذ وقت مبكر في دراساته حول الإسلام، وكانت طروحاته في ذلك الوقت أشبه بما يُسمى الان (الإسلام الحداثي) أو (القراءة المعاصرة للإسلام) ويصح لنا أن نعتبره من جيل الآباء المؤسسين لهذا الاتجاه الذي من أبرز رموزه محمد عابد الجابري ومحمد أركون والكاتب الإيراني علي شريعتي (وكتابه دين ضد الدين) والعراقي علي الوردي وكتابه (وعاظ السلاطين) ومن الجيل الثاني من أصحاب (القراءة المعاصرة) سيبرز محمد شحرور وسيد القمني ونصر حامد أبو زيد وخليل عبد الكريم وآخرون.
ومنذ أن نشر النيهوم سنة 1967 بعض دراساته والتي منها منها (الذي يأتي والذي لا يأتي) و(الرمز في القرآن)، أصبح يمثل ظاهرة أدبية غير مسبوقة، وأخذ يثير اهتمام القراء والنقاد.

أهم أفكار النيهوم

رفض النص الحديثي بوصفه ابتداعا لسنة غير سنة الله.
-التشغيب على المؤسسة الأصولية والفقهية باعتبارهما مؤسستين توراتيتين من جهة أو إنجيليتين / بوليسيتين [نسبة للرسول بولس الذي يقال بأنه أفسد نصرانية السيد المسيح عليه السلام] من جهة أخرى ؛ معتبرا الفقيه أحد سدنة المعبد، داعيا لإعمال العقل في النص عوضا عن تقديم النقل.[9]
الأمويون سبب تشويه الإسلام!! جاء في مقال بعنوان: “في نقد الفكر الاصلاحي – (نموذج الصادق النيهوم )،: “يُحَمِّل الصادق النيهوم الإمبراطورية الأموية [كما وصفها] مسؤولية طمر حقائق النص القرآني ، وتوفير شروط ابتداع تشريع جديد ، منافس للتشريع القرآني ومناقض له كليا . لقد سعت الإمبراطورية الأموية إلى تطويق النص القرآني، وإلغاء العمل بروحه التشريعية الجماعية، والإشراف على تشريع فقهي توسل بالأحاديث الموضوعة المستمدة أصلا من الخطاب التوراتي / التلمودي ومن الخطاب الإنجيلي / البولسي. فالمؤسسة الفقهية الإسلامية، لم تعمل في اعتباره إلا على إلغاء الايطيقا[10] القرآنية، والمقاصد الجوهرية للنص المؤسس، وخدمة الكتاب المقدس بطريقة أخرى. فالتشريع الإسلامي المعروف لا يمتح من النص المؤسس ومن روحيته العقدية والتشريعية، بل من العقلية التشريعية اليهودية والمسيحية. وبناء على هذا التصور فان النيهوم، ينفي الشرعية الإسلامية للحديث وأصول الفقه والفقه، ويبحث لهذه العلوم عن مصادر وثوابت في النصوص التوراتية والإنجيلية.

وقال النيهوم: وخلال وقت قصير، كان الحديث قد أصبح علما جديدا، هدفه المعلن أن يحفظ سنة رسول الله، وهدفه غير المعلن، أن يخوِّل الفقهاء سلطة التشريع نيابة عن الأغلبية، وقد عمد الإمام الشافعي إلى تحديد مصادر الشرع، في أربعة مصادر، هي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وفسر الإجماع على أنه إجماع الصحابة، وليس إجماع الناس أنفسهم …) [11].
انظر: (الصادق النيهوم – محنة ثقافة مزورة – صوت الناس أم صوت الفقهاء – دار رياض نجيب الريس – الطبعة الثالثة – 2000-ص93). [12]

إلغاء شرعية عمل الفقهاء، نفى الصفة الإسلامية عن كثير من الأحكام المعتبرة إسلامية!

الصادق النيهوم، يلغي المصداقية الشرعية لعمل الفقهاء والمحدثين والأصوليين، ويعتبر كل ابتداعاتهم النصية والمنهجية والمعرفية، مجرد استعادة بعدية للنصوص والمنهجية الكتابية المنصوص قرآنيا على منافاتها لمقاصد الخطاب الإلهي. فالفقهاء والمحدِّثون والأصوليون لم يقوموا في اعتباره، إلا باستعادة كل ما استبعدته الثورة التصحيحية القرآنية، وإعادة امتلاك الخطاب الممحو، أي الخطاب الكهنوتي التوراتي / التلمودي والإنجيلي / البولسي. لقد استعاد المسلمون منذ معاوية، الكهنوت عبر المؤسسة الفقهية ثم الأصولية (أي أصول الفقه)، ورسخت الخطاب السني ضدا على الخطاب القرآني، وكرست سلطة الفقهاء ضدا على سلطة الجماعية، ورسخت مصلحة الكهنوت الفقهي والأصولي ضدا على مصلحة الأمة.
وحسب المقال ذاته: ويذهب الصادق النيهوم بعيدا في نقد السنة المحمدية والفقه الإسلامي والفكر الأصولي؛ فقد نفى الصفة الإسلامية عن كثير من الأحكام المعتبرة إسلامية بلا مراء، واعتبرها استعادة تحيينية وترهينية للأحكام التشريعية التوراتية والإنجيلية.
(موجز القول ـ في فكر النيهوم ـ أن الفقه قد ورط المواطن المسلم في شرائع يهودية بالية، لم تعد موضع نظر، حتى بالنسبة لليهود أنفسهم بينما تكفلت نظم التعليم الإلزامي بترويج هذه الشرائع بين أجيال من أطفال العرب باسم الحفاظ على السنة النبوية، في عملية من أكبر عمليات غسيل المخ في التاريخ. وقبل أن يكتشف أحد أبعاد هذا التدبير، كانت الكارثة قد وقعت وانتهت، وكان الإسلام -الذي يقال إنه دين العقل – قد تحول إلى طقوس سحرية تتراوح بين ختان الطفل، وبين تحريم لمس المرأة، وقطع عنق الخروف، باسم العودة إلى [أصول الدين]، وهي عودة لا تعني في الواقع سوى قطع جذور الدين من أصولها، وضرب الإسلام بسيف الإسلام، تمهيدا لقيام دولة التوراة العربية التي تمتد – هذه المرة -من الفرات إلى المحيط. )[13]

أثر اليهودية والنصرانية

جاء عن الصادق النيهوم وكما في مقال الأستاذ “ابراهيم ازروال” في مقاله المعنون:” نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)”، بأن “الفقه الإسلامي مقطوع الصلة بالأصول القرآنية، ومنفصل جوهريا عن مراداته الروحية والمنهجية القرآنيتين. ومن ثم فهولا يدل على العبقرية التشريعية للعقل الإسلامي، بل على ارتكاسيته واهتيامه بالمتخيل السامي / التوراتي / الإنجيلي. وللتدليل على ارتهان النظر والأحكام الفقهية والأصولية، للأصول اليهودية / الإنجيلي، يُرجِع النيهوم بعض الأحكام الشرعية إلى أصولها التوراتية:
– حد الردة استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التثنية،
– تكريس سلطة المؤسسة الفقهية استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التثنية ،
– الختان الإسلامي استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التكوين ،
– الذبح الشرعي استعادة للإصحاح الثاني عشر من سفر التثنية ،
– – تكريس تحريم الصور والتماثيل استعادة للإصحاح العشرين من سفر الخروج ،
-الخمار الإسلامي (المعروف بالحجاب خطأ) استعادة للإصحاح الحادي عشر من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ،
-إقصاء المرأة من التشريع والمناصب الدينية استعادة للإصحاح الثاني من رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس ،
-قوامة الرجل على المرأة استعادة الإصحاح الثالث من سفر التكوين ومن الإصحاح الخامس من رسالة بولس إلى أهل أفسس.
فهو يعتقد أن المؤسسة الفقهية الإسلامية، عجزت عن تمثل الحقائق النموذجية للإيمان الإسلامي وعن استيعاب التوجهات الروحية للعقيدة والشريعة الإسلاميتين. ويتمثل النموذج الأكثر جلاء لذهول المؤسسة الفقهية عن المقاصد الجوهرية للتعبد الإسلامي، في التعامل مع الصلاة من منظور بلاغي لا يراعي المقتضيات الظاهرة لهذه العبادة وتفسير أبعادها على نحو مطابق للقصد الإلهي.
(فالفقه الإسلامي لا يدخر وسعا في شرح معاني الصلاة الدقيقة والخفية، لكنه لا يرى معناها الظاهر للعين المجردة. وقد أجمع الفقهاء على أن حركات الصلاة منقولة مباشرة عن رسول الله شخصيا، لكنهم لم يكتشفوا أبدا، لماذا اختار الرسول عليه السلام، هذه الحركات من دون سواها، مما دعاهم إلى تفسيرها تفسيرا بلاغيا بحتا. فالوقوف في الصلاة هو [المثول بين يدي الله]. والسجود هو [ابداء الخضوع له]. وقراءة آيات القرآن [سنة مباركة]. وهي تفسيرات بلاغية بحتة، لا تقول شيئا عمليا، مهما أطالت في الشرح، لأنها تقوم على فهم سحري لفكرة الصلاة).
(الصادق النيهوم – الصلاة المسروقة – الناقد – العدد / 15-سبتمبر 1989-ص. 11).[14]

النســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــخ

وكما أضاعت المؤسسة الفقهية، في ظنه، معنى الصلاة، فإنها أضاعت معنى الخطاب النبوي وفحوى الانجاز التصحيحي للنص القرآني، حين استعادت من جديد، عقائد وشراع اليهود والنصارى، وأخضعت النص المؤسس نفسه لمقتضيات النص الحديثي/ السني باسم النسخ. يقول النيهوم:
(فالواقع أن ما يدعوه فقهاء المسلمين، باسم [أحكام السنة النبوية]، هو في شكله ومحتواه، تطبيق حرفي لأحكام التوراة، يمارسه الحاكم المسلم والمواطن المسلم على حد سواء، في استعراض علني لمدى التخريب الذي لحق بمفهوم الدين، تحت ستار الحفاظ على السنة. ولو شاء الباحث أن يذهب وراء التفاصيل، وينقب عن التأثيرات العميقة لكتاب التوراة في ما يسمى حاليا بعلم الحديث والسنة، لأدهشه مدى ضآلة التغيير الذي أحدثه الإسلام في حياة المسلمين وموتهم معا. إننا محاطون باليهود من كل جانب). انظر: (الصادق النيهوم – الفقه في خدمة التوراة – عن قطع الرقاب والختان وتحريم الرسم والنحت – الناقد –رقم -60-يونيو-1993-ص.13).[15]
يقول النيهوم: (فالواقع، أن القرآن لا ينقل عن التوراة والإنجيل، بل هو التوراة والإنجيل، في صياغتهما الإلهية المحررة من عبث رواة الحديث) (الصادق النيهوم – خيانة مرفوعة الرأس – الناقد – العدد: 16/ أكتوبر – 1989-ص 7)[16].
قوامة الرجل على المرأة
ومن تأثير التوراة على القرأن نفسه ـ كما يرى النيهوم ـ معالجته لقوامة الرجل على المرأة. فهو يعتبر مضمون الآية 34 من سورة النساء تصحيحا لما جاء في سفر التكوين (3/16) ولما جاء في رسالة بطرس الأولى (3/1) ورسالة بولس إلى أهل أفسس (5/ 22-24)؛ ف”القوامة ” الكتابية ترجع في اعتباره، إلى تسويغ أسطوري مأخوذ من قصة خلق حواء من ضلع آدم وسبقها إلى الأكل من الشجرة المحرمة. يقول النيهوم:
(فالقرآن يستبدل قوله في الآية 34 من سورة النساء: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم …” بكلمات مثل: اخضعن، ويسود عليك، والرجل هو رأس المرأة. وهو تقرير مهمته أن يحدد، أن قومة الرجل على المرأة، ليست مستمدة من سبب أسطوري – كما تزعم – مثل خلق حواء من ضلع آدم، أو خيانتها له في الجنة، بل مستمدة من واقع المجتمع في العالم القديم الذي احتل فيه الرجل مكانة أفضل ماديا ومعنويا، مما يعني أن القومة تنتفي بمجرد أن تنتفي أسبابها)
(الصادق النيهوم – المسلمة لاجئة سياسية – الناقد – العدد 61-يوليو-1993-ص. 15).[17]
نقد الفقيه من خلال الرواية
“من مكة إلى هنا” رواية صدرت عام (1970) حكى فيها عن المقدَّس وشبه المقدَّس في حياة مسعود الطبال الزنجي، الذي يقرر مغادرة مدينته بنغازي لأن المستعمرين الإيطاليين يفرضون على ما يصطاده من أسماك ضريبة مرتفعة.
فيحل في مدينة ليبية بعيدة اسمها “سوسة” وفيها تخفُّ قبضة المحتلين، ويتعامل مسعود الزنجي مع إيطالية مقيمة ولديها مطعم، تفضل طهي سلاحف البحر لزبائنها. وكان هذا النوع من الكائنات البحرية شبه مقدس لدى الليبيين، فخرق مسعود هذا العرف وبدأ بصيد وتزويد المطعم بهذا النوع من السلاحف. استثارت أفعاله فقيه الجامع، فأخذ يثير أهل المدينة على مسعود لخرقه المقدس، ويحكي السارد عن ماضي الفقيه، فذكر أنه باع أرضه للإيطاليين لكي يذهب إلى مكة. وهي دلالة على أن الفقيه الذي يتشدق بالدفاع عن المقدس قد فعل الأسوأ، ولكن مسعود لا يتوقف عن صيده للسلاحف، وبيعها للمرأة، ويقرر صيد ذكر السلاحف، وهو أكثر تحريما عند الليبيين، مما دفع الفقيه لحث رجال المدينة على ضربه، وبالرغم من أن زوجة مسعود تشمئز من صيد السلاحف، وترى أن زوجها يقترف محرما، إلا أنها تدافع عن زوجها بالكلام مع من يضربه من خلال ثقب مفتاح باب السكن.

ابتعاد المفسرين والمؤولين المسلمين عن المقاصد الجوهرية للخطاب القرآني،

تفصح كتابات الصادق النيهوم عن رغبة هجاسية في تنزيه الخطاب القرآني، وفي التشغيب على الكتاب المقدس والمؤسسة الفقهية الإسلامية. فالخطاب القرآني، متناسق ومنسجم، ورؤيته الروحية والأخلاقية متماسكة فيما يتميز الخطاب التوراتي والإنجيلي، في اعتباره، باختلالات أخلاقية وفكرية وعقدية غير قابلة للإخفاء أو التبرير أو التأويل. فالخطاب القرآني، لا يقوم في اعتباره، إلا بإعادة صياغة المحتويات الفكرية ؟؟ للخطاب التوراتي والإنجيلي المحرفين أو المصاغين صياغات غير متسامية، أخلاقيا وعقديا وفكريا. وبناء على هذا الاعتبار، فإن مسؤولية الفوضى الدلالية والارتباك التأويلي الواقع في المنظومة التفسيرية والتأويلية، يرجع، في الحقيقة، إلى ابتعاد المفسرين والمؤولين المسلمين عن المقاصد الجوهرية للخطاب القرآني، واستعادتهم الموروث النص الكتابي التوراتي / التلمودي والإنجيلي / البولسي ضدا على القصد الجوهري للنص القرآني. فالفقيه والمفسر والأصولي المسلم، لم يتمكنوا من استيعاب المعنى الأصلي والدلالة الجوهرية الكامنة في المنطوقات القرآنية، ومن تمثل الفوارق الدلالية والتداولية والمقصدية الموجودة بين الكتاب المقدس والقرآن. فعوض الوقوف على الإصلاح القرآني للانحرافات الكتابية، اكتفى المفسرون والمؤولون الإسلاميون، بتحيين المعاني والافادات الكتابية وربطها بالخطاب القرآني في مخالفة صريحة للمقصد الإلهي.[18]

النيهوم والرمز في القرآن الكريم: هل حول المفسرون النص القرآني إلى خرافات وأساطير!

يقول النيهوم: “فنحن لا نزال ننظر إلى كتاب الله بعين أعرابي ميت منذ ألف سنة. ولا نزال نتكلم بلسانه، ونردد في كتبنا وإذاعاتنا – ونعلم أطفالنا – كل ما دار في رأس ذلك الأعرابي الجاهل من أساطير، ابتداء من حبس يأجوج ومأجوج وراء سور من الحديد، إلى فلق البحر، وحوار الشيطان مع آدم، وخروج يونس من بطن الحوت، وتسخير عفاريت الجن في خدمة سليمان. وهي قصص رواها القرآن عن التوراة، وسماها [قصصا]. لكن منهجنا في التفسير، يمضي أبعد مما أراد الله، مصرا على أنها أحداث تاريخية، وقعت بالفعل في المكان والزمان المحددين).
انظر: (الصادق النيهوم – المجازر المعصومة – أخطاء وأخطاء في نصوص مقدسة –الناقد-العدد 74-/ 1994-ص 25). [19]
بالتأكيد هنا النيهوم يشير إلى ما قام به المفسرون، وهو تحويل هذه الحوادث (الرمزية) إلى اساطير وخرافات، وقد سبق للنيهوم أن قام بنشر مجموعة حلقات في صحيفة الحقيقة سنة (1967م)، حول (الرمز في القرآن)، وقد تم وقف نشر حلقاته وقت ذاك، بسبب أزمة بينه وبين الجامعة الإسلامية حول مفهوم هذه الدراسة. وهو سيحاول الوقوف على التفسير الرمزي حول قصة أصحاب الكهف، والبداية كما يرى النيهوم من سورة الكهف من الآية الكريمة (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةِ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * الكهف: 25). والسؤال الذي يطرحه النيهوم: هل يروي القرآن هنا حدوث معجزة ظاهرة، وهل نام أصحاب الكهف ثلاثة قرون حقاً؟ ثم يضيف على ذلك: وليس ثمة شك أن المرء يستطيع أن يعتمد الإجابة باعتبار أن المعجزة ظاهرة في معظم الديانات وأن الله على كل شيء قدير. ثم يقدم لنا افتراضه الرمزي حول هذه الحالة وذلك بقوله: ” أنا سأفترض أن القصة بأسرها حادثة رمزية تهدف في الظاهر إلى الحديث عن بضعة من القديسين المطاردين في الجبال، فالفكرة الأساسية التي يهدف إليها النيهوم هو التفسير الرمزي لقصة أصحاب الكهف. قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أًصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً فَضَربْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً * الكهف : 8-12). يقول النيهوم في تفسيره لمعنى هذه الآيات الكريمة : ” المرء يستطيع أن يلاحظ بيسر أن النص يخلو خلواً معتمداً من التفاصيل ، فليست ثمة إشارة إلى عدد أصحاب الكهف أو عدد السنين التي قضوها هناك أو مكان الكهف نفسه ، وليس ثمة تحديد خاص لمفهوم الكلمات المستعملة فالآية “فضربنا على آذانهم” تعني منعناهم من السمع ، وأحد معاني ضرب: سد وأغلق ، ولكن الآية تعني أيضاً عزلناهم عن العالم من حولهم ، واللغة العربية ما تزال تستعمل جملة “ضرب حوله ستاراً من العزلة” وتعني عزله كليةً عما يحيط به “. ثم يضيف على ذلك ما ملخصه :” أن كتب التفسير تتبنى فكرة العزلة بطريق النوم وهي فكرة تستند في الأساس على أسطورة مسيحية ، فتجنب كلمة النوم بالذات تبدو بمثابة اقتراح للبحث عن تفسير أخر، وكلمة الرقيم التي ورد ذكرها تدعونا للتريث في قبولنا للأسطورة المسيحية ، والرقيم بالنسبة له هو رمز للنشاط التجاري الذي تميزت به الأمم المسيحية الحديثة ، كما أن الكهف رمز أخر للنشاط الكهنوتي في الأديرة المتوحدة وتباعد النساك في الجبال وبالتالي لابد لهذا الاقتراح أن يدعو في النهاية إلى اعتبار القصة كلها عملاً رمزياً متعمداً فالشواهد تشير بوضوح إلى أن القرآن لا يسرد حادثة معينة داخل أية تفاصيل” وأما الرقيم فقد اختلف فيه المفسرون والرواة ، فمنهم من قالوا : هو لوح رصاص كتبت فيه أنسابهم وأسماؤهم ودينهم ، وقيل الرقيم اسم القرية التي كانوا فيها ، وقيل غير ذلك ؟؟ ثم يقول النيهوم : ولعلني أستطيع أن أقترح هنا أن ثمة تياراً رمزياً خفياً يجرى تحت سطح الأحداث الظاهرة في الرواية ، وأن القرآن يجمع بين صورة محددة لبضعة رجال في أحد الكهوف النائية ، وبين صورة أخرى شاملة لرمز أوسع أبعاداً وهنا تصبح الآية (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودُ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبًهُم بَاسِطُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً* الكهف :18) ، رمزاً لحالة الركود المعروفة في تاريخ المسيحية بين ميلاد عيسى وبين عصر الإمبراطور قسطنطين ، وهي فترة تميزت بحالة حادة من الجمود الكلي في جميع مناطق الدين الجديد وطبقاً لتفسير النيهوم : -تصبح الآية ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ * الكهف : 18)، رمزاً لحالة التيه التي عاشها أتباع المسيحية في تلك الفترة متلمسين طريقهم لنشر تعاليم المسيح بين أوروبا وبين إثيوبيا عبر أديرة سيناء وكهوف الرهبان في جبال البحر الأحمر. – وتصبح الآية ( وَكَلْبًهُم بَاسِطُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ * الكهف : 18) إشارة أكثر وضوحاً إلى أن الدين الجديد كان يواصل انتشاره في مناطق مأهولة بالشعوب التي تحترف الرعي ، وهي حرفة شعوب أوروبا خلال تلك الفترة بصورة عامة وحرفة سكان سيناء والمناطق العربية المجاورة وإثيوبيا… وتصبح الآية ( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً* الكهف : 18) ، إشارة أخرى إلى تلك الفكرة التي سادت المسيحيين الأوائل –خاصة في أوروبا- والتي ظلت تربط بين التعبد وبين ممارسة الزهد المسيحي المتطرف إلى حد تجاوز النطاق الطبيعي بكثير. إن استخدام التفسير الرمزي أدى بالنيهوم إلى جعل قصة أصحاب الكهف مجرد رمز عن تاريخ الديانة المسيحية والتقويم المسيحي ؟؟ ثم يضيف بأن القصة ما تزال تخلو من المعجزة، ولكن المعجزة تأتي من الأساطير المسيحية ؟؟ إن مفهوم النيهوم لقصة أصحاب الكهف، أنها قصة رمزية تهدف إلى عرض تاريخ المسيحية، فالنسبة له لا وجود لمجموعة من الفتية ولا للكهف ولا لحدوث المعجزة، إنما فهم المعجزة قد أتي أو تسرب إلى المفسرين من الأساطير المسيحية، والقرآن إنما يعرضها مجردة من كل ذلك. ؟؟ [20]
*****
سيأخذ أصحاب القراءة المعاصرة للقرآن الكريم هذه النقاط والطروحات التي أوردها النيهوم كما جاءت؛ ودون دراسة أو مناقشة؛ وتصبح اللائحة الذهبية بالنسبة لهم في تسويق آرائهم واعتبارها سبباً كافياً لرد السنة النبوية بركتها، بل ومهاجمة التراث كله.
العلاقة مع معمر القذافي:
عاد الصادق النيهوم إلى ليبيا مطلع السبعينات بُعيد وصول القذافي للحكم، وقد بدأ اسمه يشتهر في الأوساط الثقافية. شهرة، ساهم فيها إعجاب معمر القذافي به، الذي أصبح يعتبر النيهوم ملهما له.[21] وقال الكاتب الليبي أحمد الفيتوري: من لا يعرف (صادق النيهوم) وعلاقته بالعقيد معمر القذافي، أذكر له أن مجلة (صن داي) البريطانية في عدد لها مطلع عام 1971م جعلت غلافها بورتريه صادق النيهوم والمانشيت: الهيبي الذي يقود ليبيا.
جذبت كتابات النيهوم العقيد القذافي المستحوذ على السلطة حديثا، والساعي لاجتذاب طبقة المثقفين لتدعيم شرعيته، مما جعله يجلس طويلا ومرارا مع النيهوم منفردا. [22]
وكان النيهوم يكرر مصطلح “سلطة الشعب” و”الأغلبية” التي لاقت استحسان القذافي، فهو يلتقي مع النيهوم بأسلوبه التهكمي الساخط على الرأسمالية المستهزئ بمن حوله.
تولى إدارة التوجيه والتثقيف في الاتحاد الاشتراكي عام 1970، ولكن لم يطل به المقام قريبا من السلطة، فقد كان النيهوم يتهرب من التورط مع السلطة وممارسة السياسة، لكنه لم يكن ثائرا عليها ولا محسوبا على المعارضة، وإنما كان يناور من بعيد.
أصدر القذافي “الكتاب الأخضر” في سبتمبر/أيلول 1976 طارحا فيه ما قدمها على أنها “نظرية عالمية ثالثة” ترفض الماركسية والرأسمالية، وسرعان ما أصبحت أفكار الكتاب المؤلف من ثلاثة أجزاء، سياسية واقتصادية واجتماعية، في كل شارع وفي كل بيت في ليبيا. أدخل القذافي الكتاب إلى مناهج التعليم وأصبح لزاما تدريسه من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية ضمن مادة “الفكر الجماهيري”.[23]
يقول الأستاذ عمر أزراج في مقال له بعنوان ” من الذي كتب “الكتاب الأخضر” والرواية للعقيد الڤذافي؟” : “وفي الحقيقة، فإن الغموض ما يزال يكتنف وقائع تأليف هذا الكتاب الذي قيل في الكواليس السرية بأن المفكر الليبي المعروف الصادق النيهوم هو الذي صمم هيكله، وبلور بنيته، ومجمل الأطروحات الفكرية الطوباوية التي تضمنها، وكتب فصوله بعد أن اقترح عليه العقيد الڤذافي فكرته العامة، علما أن المقارنات لم تجر إلى يومنا بين الطريقة التي كتب بها الكتاب الأخضر والطريقة التي كتب بها النيهوم كتبه الكثيرة منها “الرمز في القرآن“، و“الإسلام ضد الإسلام“، و“الإسلام في الأسر” و“محنة ثقافة مزوّرة” الصادرة عن “دار الريس” بلندن وبيروت.[24]
مَنْ كتب “الكتاب الأخضر”؟!
يجدر القول بأن الشكوك تعددت حول كاتب “الكتاب الأخضر”، فهناك من يقول بأن الكتاب الخضر مقتبس من “كتّاب المذهب الفوضوي” (شارل فوريه ,باكونين , وجون برودون )[25]
وهناك من يذكر أسماء أخرى، يقول الكاتب عبد الباري إسماعيل في مقال له بعنوان ” قرصان الكتاب الأخضر”: “في أوائل السبعينات بث التليفزيون الليبي (بث مباشر) ندوات في الكتاب الأخضر، يحاور فيها رئيس الجلسة معمر أبو منيار مجموعة من المثقفين، وأكثرهم من حواريه أمثال فوزيه شلابي. ما انطبع في ذاكرة كثير من المشاهدين هو ذلك النقاش الحاد الذي دار بين الرئيس وشاب من مدينة بنغازي، ويبدو إنه قد فرغ لتوه من دراسته العليا وفي نفس المجال. كان يفيض علماً ودراية مصحوبة بشجاعة وجرأة، تختلف عن نفاق وتملق بقية المجموعة. فحاصر الرئيس ووضعه في الركن الرابع! ركن الجاهل، ووجه له بتعبير الفكر الأخضر “الصفعات واللكمات والرفسات” بأسئلة فندت معرفة الرئيس بمصدر المقولات الواردة في الكتاب الاخضر، ولم يبخل عليه بالإجابة، فهذه المقولة نادى بها فلان، وتلك فشلت في ذاك المكان، وثالثه طبقت في غابر الزمان! وأخري خرجت وماتت مع إرهاصات الثورة الفرنسية والخ. مما أثار غضب الرئيس وحنقه، فرمى بالفوطة البيضاء وأضمر الحقد والعداء، وصاح بنرفزة ظاهرة “أني ما قولت تنزل عليا، هذه خلاصة الفكر الإنساني”. وبعد فترة قصيرة أشيع وللأسف بأن ذلك الشاب انتقل الي رحمة الله في حادث سيارة أليم[26].
وقال عبد الباري إسماعيل أيضاً بأن (ابو بكر كرار) هو من كتب ذلك الكتاب، فقال: “كما هو واضح في هذا المقطع لأحد الكتاب العرب: (وكي يكون صاحب فكر ومؤلفات كان لا بد ان يؤلف كتابا يصبح نظريته العالمية الثالثة بعد الرأسمالية والماركسية وكيف يتأتى له ذلك وهو الطالب الفاشل الذي لا يجيد كتابة موضوع الانشاء واخيرا اهتدى الى ضالته في الكاتب والمفكر السوداني المرحوم (ابو بكر كرار) فكتب له دراسة عبثية سماها (الكتاب الاخضر- النظرية العالمية الثالثة) وكانت لا تزيد عن مائة صفحة فكان لا بد أن تطبع بالحجم الصغير وفي كل صفحة ما لا يزيد عن عشرة سطور وعرض السطر لا يزيد على ستة سنتيمترات كي يمكن توزيعه على عدة أجزاء، فكان الكتاب الاخضر في أجزائه الثلاثة، ويومها نكت الليبيون – الذين لا يجيدون النكتة- فقالوا: سبحان الله كيف ملأ هذا الكتاب ثلاثة دفاتر وهو في الاصل لا يملأ دفتر سجائر!!”. [27]
وقال: “ومن الجائز إن المسودة مرت على الكثيرين، أمثال أبو دبوس، الفزاني، شلقم، التليسى، خشيم وغيرهم، ليبدوا ملاحظاتهم عليها، ونظرا لأن أكثرهم متملقون ومنافقون لم يجد منهم إلا الإطراء والتبجيل، وهو ما لم يكن ينشده على الأقل فى تلك الفترة أي قبل إصدار الكتاب، ومن الأرجح إنه وجد ضالته فى النيهوم، الذي كان أكثر منهم جرأة إن لم يكن فكراً، وقد كان ذلك واضحا في ندوة الغربال (ندوة الفكر الثوري).
ولكن قبل الحديث عن النيهوم، ألقى (عبد الباري إسماعيل) شبهة الكتابة على واحد مجهول، هو مدرس الفلسفة في مدرسة طرابلس الثانوية، فقال ” إسماعيل” بان القذافي وجد مبتغاه في:” شخص محجوب عن الأنظار، لا يهم كثيرا إن سكت أو قال، متبحراً في نفس المجال، وله ميول يسارية واتجاه في نفس المسار. فوجد ضالته في مدرس مادتي الفلسفة وعلم الاجتماع بمدرسه طرابلس الثانوية، والتي كان نائب مديرها في تلك الفترة السيد أبوزيد دورده. مدرس لبناني من أصل فلسطيني، علماني ملحد، (ويقال إن هذا المدرس كان مبحراً إلى حد الجنون في مجاله (فلتة)، ويتفاخر أمام هيئة التدريس والطلبة بأنه يعطي في دروس خصوصية لمعمر القذافي في معسكر باب العزيزية، فهل هذه الدروس لم تكن دروسا بالمفهوم التقليدى، وإنما كتابة لمسودة الكتاب الأخضر، وما يعزز هذا الظن هو أن تلك الدروس كانت في أوائل سنة 1971م، أوج نشاط معمر أبو منيار العلني في تصفية منافسيه وتوطيد (أو تفكيك) أركان الدولة. ويا للأسف ليس هناك من معلومة لما حدث بعد ذلك لهذا المدرس، هل نال أجره وغادر ليبيا سالماً غانماً، ام نال جزاء سنمار؟ وفر إلى جهنم للمرة الثالثة ولم يعود.[28] (والقول لعبد الباري إسماعيل).

أما عن الصادق النيهوم، فجاء في المقال نفسه: ” وبتحليل منطقي أخر شكك كذلك أحد الكتاب الليبيين في نسبة الكتاب الأخضر لمعمر أبو منيار وأشار إلى الاحتمال التالى: (هناك لغط وشائعات ترددت منذ عقدين أو يزيد لا يخفى أمرها عن الكثير من الليبيين حول هذا الموضوع فهناك من يقول إن الكتاب الأخضر كله من تأليف وصياغة الصادق النيهوم !!؟؟.. وهناك من يقول إن النيهوم قام فقط بالاطلاع على مسودة الكتاب الأخضر ووضع عليها بعض الملاحظات من ناحية الفكرة أو من ناحية الصياغة! وهناك من ينفي أية علاقة للنيهوم بل وأي علم له بنية معمر القذافي في إصدار الكتاب الأخضر). [29]

بالعود إلى الكتاب الخضر ومحتواه، فالكتاب الأخضر يحتوي الكثير من الأفكار التي تبناها النيهوم في كتبه، خصوصا في كتاب “تاريخنا”، وكتاب “نقاش” الذي استلهم منه القذافي بيان ثورته الثانية. إذن، فالكتاب الأخضر الذي حكم به الديكتاتور القذافي الليبيين أكثر من أربعة عقود كانت أفكاره من إنتاج النيهوم، وهذه كانت من أكبر المفارقات التي تثار حول الرجل.
ومن النقاط التي يلتقي بها القذافي والنيهوم: عدم صلاحية الديموقراطية الحزبية التعددية (التنافسية) لغير الغربيين وخصوصا ً للعرب والمسلمين! .. ويتفقان على رفض (الروايات الدينية) والاكتفاء بالقرآن الكريم كشريعة للمجتمع – أي بدون السنة والحديث -على أن يتم قراءة القرآن قراءة عقلانية حرة ومعاصرة بعيداً عن ضوابط أصول الفقه التقليدي والتفسيرات الموروثة بل وعن التراث الفقهي برمته!.. كإتفاقهما على معادتهما لفكرة (الحكومة) وضرورة وجود (ولي الأمر) والدعوة بالتالي للحكم الشعبي الجماعي المباشر![30]
ومن المعروف أن القذافي قد أنكر حجية السنة ومصداقيتها، وقد أشار القذافي نفسه إلى هذا في بعض خطبه، ألقى القذافي خطاباً مساء الثالث من تموز 1978 في جامع “مولاي محمد” في طرابلس بمناسبة الختمة المئة للمصحف المرتل، أعلن فيه أن الأحاديث النبوية التي وردت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم هي أحاديث مشكوك بصحتها، لأنها دونت بعد مئتي سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قد حصلت صراعات بين المسلمين، وأنه في فترة هذه الصراعات ظهرت أحاديث مزيفة ومزورة منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، لا أول لها ولا آخر، حتى يدلل كل حزب من هذه الأحزاب الإسلامية المتصارعة على أن موقفه صحيح من الإسلام، وهكذا ظهر ستون نوعاً من الأحاديث المتناقضة المتضاربة، وصدرت عن القذافي أقوال أخرى فقد أنكر “القذافي” عموم دعوته صلى الله عليه وسلم للناس كافة ، وتجرأ القذافي على تحريف القرآن، وحذفَ كلمة “قُلْ” من القرآن، وأنكر حادثة المعراج المرتبطة بالإسراء، واعتبر الكعبة صنماً، وغير ذلك.
كما أننا نلمس في كتابات النيهوم عداءً لسلطة ولي الأمر فهو -على ما يبدو -ضد أن يكون للناس (ولي أمر) أو (حكومة) وأن على الناس إدارة شؤونهم بأنفسهم بشكل مباشر وهنا يلتقي النيهوم أيضاً مع الفكر السياسي الذي يتبعه معمر القذافي -وهو الفكر السياسي للاتجاه الفوضوي الجماهيري القديم – الذي يقوم على رفض فكرة الحكومات ويحلم ببناء نظام سياسي مثالي يقوم على فكرة الديموقراطيات الشعبية المباشرة بشرط التخلص من (التراتبية) السلطوية ومن سلطة رجال الدين وسلطة الحكام والسلاطين ….. إلخ …[31]

علاقة النيهوم بنظام القذافي

الصادق النيهوم – كمثقف ومفكر وكاتب وأديب ليبي – لم يكن له موقف معارض بل ولا ناقد لنظام العقيد القذافي ولا للممارسات الإرهابية التي مورست ضد أبناء شعبه في الداخل والخارج بل وضد المثقفين بوجه خاص وضد حرية التعبير بشكل عام! .. حيث قابل النيهوم كل هذا الظلم العظيم والاستبداد الشمولي الدموي الأثيم بصمت كامل ومطبق كأن الأمر لا يعنيه !! [32]..
وفي المقابل – لم يذهب – على الأقل – إلى حد التطبيل للعقيد القذافي والإشادة به والثناء عليه والدعاية له كما فعل بعض المثقفين الليبيين القدامي والجدد ممن سخَّروا أقلامهم ومواهبهم وثقافتهم في خدمة الاستبداد وتبريره!!.. [33]

ويبقى عدم إعلان موقفه الواضح من نظام القذافي طوال عقود من الديكتاتورية مثار خلاف بين مؤيديه ومعارضيه.[34]
وتصف زوجته “كارينا” علاقته بالسلطة في ليبيا قائلة: كان يحب الملك إدريس، ولكن بعد انقلاب القذافي أصبح الصادق أكثر حذرا في التعامل مع السلطة الجديدة.

يقول الروائي والناقد الليبي أحمد الفيتوري في تقديمه لكتاب «الصادق النيهوم… جامع المختلف عليه» والتي اصدرته «مجموعة الوسط للإعلام»:” إن «القارئ الحصيف سوف يدرك أن الكتاب يجمع وثائق تدل على الصادق النيهوم، وتؤشر إلى أنه مبدع ومفكر إشكالي، مثير للاختلاف حول شخصه كما حول أطروحاته، وقد شغل نفسه بالمختلف عليه منذ نعومة فكره، وبدء إبداعه… إن النيهوم طالته الكثير من الشائعات، منها أنه هو الذي ألف الكتاب الأخضر، لكنه نفى ذلك في حضور معمر القذافي نفسه، وكوكبة من الكتاب والمبدعين الليبيين، كان من ضمنهم الفيتوري، والكاتبة فوزية شلابي وزيرة الثقافة الليبية في عهد القذافي» . [35]

قصة هذه الواقعة حكاها الفيتوري في مقال بعنوان «الهيبي والعقيد»، وذكر أن النيهوم كان في صدارة الجلسة، ما يؤشر لأريحية واضحة كان يتمتع بها في حضرة القذافي، ويشير لمكانته الخاصة التي كان يحظى بها لديه. وقد تبين للفيتوري من سياق الجلسة، رغم نفي النيهوم، أن له دوراً رئيسياً في الكتابة والأفكار، لكن مسودة «الكتاب الأخضر» قد أُعيدت صياغتها دون رضى النيهوم.[36]

يقول الكاتب الليبي أحمد الفيتوري عن لقاء جمعه بالصادق النيهوم والقذافي في خيمة القذافي بطرابلس: ومن عادات القذافي أن يطرح فكرة ثم يذهب بعيدًا عنها أثناء حديثه، في تلك الجلسة رأيت بأم العين وسمعت صادق النيهوم وهو يدير الحديث مع القذافي وبديا كصديقين متشابهين فالنيهوم أيضًا يذهب بعيدًا بالحديث عما انطلق منه، لهذا وجدت نفسي أسبح في بحرٍ تتلاطم أمواج أفكاره، لقد طفق كلاهما يسيح بنا في أفكار لم تُبيِّن مدعى اللقاء ولم تكن مشاركة الآخرين المحدودة لتضيف ضوءًا.[37]

علاقة النيهوم بالقذافي سببت له متاعب كثيرة، إذ اعتبره معارضو القذافي، أحدَ أذرع السلطة ومنظريها. على الجانب الآخر، كان الراغبون في التقرب من السلطة أو من فيها، ينظرون بعين الغيرة إلى علاقة القذافي والنيهوم، خاصة بعد أن وقعت عدة مشادات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، وهي مشادات ساهم فيها موقف النيهوم من توغل السلطة وانحرافها عما رسمته من أهداف.[38]
انتقل إلي الإقامة في جنيف عام 1976 وأسس دار التراث، بحسب ما تقول بعض المصادر، فإن العقيد معمر القذافي حاول ترضيته، فأسس دار نشر جعل النيهوم على رأسها، بينما يقول آخرون بأن دار النشر، كانت من إنشاء النيهوم.[39] ثم دار المختار، وأصدر سلسلة من الموسوعات أهمها (موسوعة تاريخنا -موسوعة بهجة المعرفة)، وعمل بجامعة جينيف أستاذاً محاضراً في الأديان المقارن حتى وفاته. وكتب قير مجالات النقد الأدبي والمقالة الأدبية والقصة القصيرة والروايات ومقارنة الأديان والفكر.

خاتمة

مهما تكن علاقة الصادق النيهوم بنظام القذافي، وإن كان هو من كتب “الكتاب الأخضر” أو قام بمراجعة الكتاب ووضع ملاحظات عليه، فهذا لا يهم كثيراً، المهم ان الصادق النيهوم يُعتبر من أوائل الكتاب “الحداثيين” الذين كان لهم موقف مخالف وحاد لما هو سائد حول التراث؛ لا سيما السنة النبوية، مما سبب له إشكالات مختلفة مع عامة المسلمين الذين رأوا في هذه الأفكار خروجاً صريحاً على “ما هو معلوم من الدين بالضرورة” واعتبروه متأثراً بقوة بطروحات المستشرقين حول هذا الأمر ابتداء من المستشرق المجري جولد تسيهر والألماني شاخت وغيرهم.
لقد ابتدأت مشاكسات النيهوم منذ كان طالباً في المدرسة والجامعة، ومنذ أن عَرض رسالته للدكتورة على الدكتورة (عائشة عبد الرحمن / بنت الشاطئ) وحتى بعد وفاته.

زياد أحمد سلامة

المراجع
[1] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021 (بتصرف).
[2] الصادق النيهوم .. هل كان بالفعل صديقًا للعقيد القذافي !؟ وهل كان بالفعل (صعلوكا ً) !؟
[3] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021
[4] موقع “اقرا ” الآداب ” شخصيات أدبية “: فكر الصادق النيهوم.
[5] إبراهيم مشارة: علي حرب ينقد الصادق النيهوم في كتابه “الإسلام في الأسر” القدس العربي 8/1/2021
[6] فيصل عبد المحسن: مفهوما المقدس والتنوير في فكر الصادق النيهوم، صحيفة العرب، 10/11/2019
[7] فيصل عبد المحسن: مفهوما المقدس والتنوير في فكر الصادق النيهوم، صحيفة العرب، 10/11/2019
[8] موقع “اقرا ” الآداب ” شخصيات أدبية “: فكر الصادق النيهوم.
[9] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021
[10] الإيثقيا أو فلسفة الأخلاق هي فرع من فروع الفلسفة، تحاول الإجابة عن السؤال القائل “ما هي أفضل طريقة عيش للناس؟” و “ما هي الأفعال الصحيحة أو الخاطئة في ظروف معينة؟”، عملياً الإيثقيا تسعى إلى حل مسائل الأخلاق البشرية، عن طريق تعريف مفاهيم مثل الخير والشر، الصحيح والخاطئ، الفضيلة والرذيلة، والعدالة والجريمة. كحقل للتحقق الفكري، تبقى فلسفة الأخلاق على صلة وثيقة مع كل من المجالات: علم النفس الأخلاقي، الإيثقيا الوصفية، ونظرية القيمة.
[11] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي – (نموذج الصادق النيهوم )، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008 ، نقلاً عن (الصادق النيهوم – محنة ثقافة مزورة – صوت الناس أم صوت الفقهاء – دار رياض نجيب الريس – الطبعة الثالثة – 2000- ص . 93)
[12] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[13] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008 نقلاً عن (الصادق النيهوم – الفقه في خدمة التوراة – عن قطع الرقاب والختان وتحريم الرسم والنحت – الناقد –العدد -60-يونيو-1993-ص.15).
[14] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[15] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[16] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[17] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[18] ابراهيم ازروال (اكادير – المغرب): في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[19] ابراهيم ازروال: في نقد الفكر الاصلاحي (نموذج الصادق النيهوم)، الحوار المتمدن-العدد (2246) 9/4/2008
[20] د. سامي عطا حسن ..الدكتور الليبي الصادق النيهوم في دائرة الضوء، موقع فيصل نور، (13/8/2022)
[21] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021
[22] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021
[23] الكتاب الأخضر .. شاهد غائب على عقود القمع بليبيا، الجزيرة نت، 20/10/2016
[24] عمر أزراج: من الذي كتب “الكتاب الأخضر” والرواية للعقيد الڤذافي؟ موقع الشروق، 4/4/2015
[25] الصحفي احمد الزيادي: ” من هو المؤلف الحقيقى للكتاب الاخضر؟! صفحة ” من هو المؤلف الحقيقى للكتاب الاخضر؟! على الفيس بوك 12/3/2021
[26] عبد الباري اسماعيل: قرصان الكتاب الأخضر، موقع عين ليبيا، 5/12/2018
[27] عبد الباري اسماعيل: قرصان الكتاب الأخضر، موقع عين ليبيا، 5/12/2018
[28] عبد الباري اسماعيل: قرصان الكتاب الأخضر، موقع عين ليبيا، 5/12/2018
[29] عبد الباري اسماعيل: قرصان الكتاب الأخضر، موقع عين ليبيا، 5/12/2018
[30] سليم نصر الرقعي: (كاتب ليبي): هل ساهم النيهوم في تأليف أو صياغة الكتاب الأخضر!!؟؟ موقع ليبيا المستقبل، 24/4/2009
[31] سليم نصر الرقعي: (كاتب ليبي): هل ساهم النيهوم في تأليف أو صياغة الكتاب الأخضر!!؟؟ موقع ليبيا المستقبل، 24/4/2009
[32] سليم نصر الرقعي: (كاتب ليبي): هل ساهم النيهوم في تأليف أو صياغة الكتاب الأخضر!!؟؟ موقع ليبيا المستقبل، 24/4/2009
[33] سليم نصر الرقعي: (كاتب ليبي): هل ساهم النيهوم في تأليف أو صياغة الكتاب الأخضر!!؟؟ موقع ليبيا المستقبل، 24/4/2009
[34] حسن العدم: “الصادق النيهوم”.. قلم يسخر من الفقهاء وينتصر للحرية ويكتب للقذافي، الجزيرة نت، 10/4/2022
[35] حمدي عابدين: الصادق النيهوم… مؤلف «الكتاب الأخضر» للقذافي؟ جريدة الشرق الأوسط، 26/11/2020
[36] حمدي عابدين: الصادق النيهوم… مؤلف «الكتاب الأخضر» للقذافي؟ جريدة الشرق الأوسط، 26/11/2020
[37] أحمد الفيتوري – كاتب ليبي : الكاتب في خيمة العقيد! مجلة الفيصل، 1/1/2019
[38] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021
[39] يوسف المساتي: الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن… لصوص الإسلام، موقع مرايانا، 15/11/2021