ثلاثون عاما على أوسلو.. هل ما زال الاتفاق على قيد الحياة؟
القدس/ عبدالرؤوف أرناؤوط
مرَّ الثالث عشر من سبتمبر/أيلول كغيره من الأيام في تل أبيب، فلا جرى الاحتفال بذكرى الاتفاق الذي شكل منعطفا في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولا جرى تأبينه أيضا.
في 13 سبتمبر/أيلول 1993، توجهت أنظار العالم إلى حديقة البيت الأبيض، حيث جرى التوقيع على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ثم بات طي النسيان.
ونّص الاتفاق على مرحلة انتقالية من 5 سنوات تنتهي بالاتفاق على قضايا الحل النهائي وهي: القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه.
لكن المرحلة الانتقالية طالت 30 عاما من دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات على عودة المفاوضات السياسية بين الطرفين في المستقبل المنظور.
ومنذ أبريل/ نيسان 2014، توقفت مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لأسباب منها تمسك تل أبيب باستمرار البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وتنصلها من إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
ويؤرخ الكثير من الفلسطينيين ليوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 على أنه التاريخ الذي قُتل فيه هذا الاتفاق بإقدام المتطرف اليميني الإسرائيلي إيغال عامير على اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين الذي وقَّع الاتفاق.
غير أن انتخاب بنيامين نتنياهو للمرة الأولى رئيسا للوزراء في مايو/أيار 1996 كان بمثابة صدمة كبرى لهذا الاتفاق، لا سيما وأنه كان يجاهر بمعارضته له.
وجرت محاولات عديدة للتوصل إلى اتفاق نهائي في منتجع كامب ديفيد الأمريكي في يوليو/تموز 2000، وصولا الى مفاوضات الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت في 2008، غير أنها جميعا باءت بالفشل.
فشل الاتفاق
في نظر اليمين الإسرائيلي، فإن اتفاق أوسلو فشل، أما في نظر الفلسطينيين واليسار الإسرائيلي فإن هذا اليمين هو مَن أفشل الاتفاق.
وقال وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر، خلال ندوة نظمها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (خاص)، الأربعاء وتابعتها الأناضول: “لا أعتقد أنه يوجد أحد يعتقد أن هذا الاتفاق نجح.. اتفاق أوسلو فشل”. ديختر اعتبر أنه “إذا قامت إسرائيل بانسحاب أحادي من أوسلو، فقد ينتهي الأمر بأزمة كبيرة في المنطقة، وبالتالي مثل أي أمر آخر، عليك ان تختار بين السيء والأسوأ”.
وتجاهر أحزاب الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، برئاسة نتنياهو، بأن اتفاق أوسلو بمثابة كارثة، لكنها لم تُقدم حتى الآن على إلغائه. وقال ديختر إن “إلغاء اتفاق أوسلو أحاديا يعني أن عليك أن تقوم بأمر آخر، ولا يوجد بديل يمكننا اللجوء إليه لخلق أوضاع أفضل”. وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت الحكومة تملك برنامجا سياسيا لتقدمه في حال الإعلان عن فشل الاتفاق، أجاب ديختر: “لا أعلم”. وأضاف: “لا أعلم إذا ما كان لدى أي مسؤول سياسي، بمَن فيهم رئيس الوزراء، سياسية للسنوات العشرين أو حتى الثلاثة القادمة حول الموضوع الفلسطيني”. ديختر أردف: “لم نتمكن من التوصل إلى تفاهمات مع ياسر عرفات ومحمود عباس.. ليس لدينا شريك فلسطيني الآن، والمسؤولية عن فشل العملية تقع على عاتق الفلسطينيين”.
وتوسط الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في اتفاقيات عديدة ولكنها لم تطبق، ودون جدوى حاول في هذا المسار 5 رؤساء أمريكيين هم: بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب وصولا إلى الرئيس الحالي جو بايدن.
وأعرب ديختر عن اعتقاده بأنه “عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فإن الأمريكيين أظهروا طوال الوقت سذاجة، وهو أمر محبط وأنا أقول ذلك كشخص كان رئيسا لجهاز الأمن العام (الشاباك)”. واستطرد: “إذا ما نظرنا إلى أوسلو وجميع المراحل اللاحقة التي مررنا بها، فقد مارس الرؤساء الأمريكيون ضغوطا على كل رؤساء الوزراء (الإسرائيليين)”. ومضى قائلا: “كانت هناك هجمات فلسطينية قُتل فيها مئات الإسرائيليين، وكانت هناك تأثيرات اقتصادية كبيرة علينا، بينما كان الأمريكيون يضعون الخطط الأمنية ثم يقع هجوم فلسطيني”.
دور اليمين
وخلال الندوة ذاتها، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني: “أعتقد أنه يجب علينا التوصل إلى اتفاق (مع الفلسطينيين)”. وأضافت ليفني، التي تتبنى مواقف الوسط: “سواء يوجد شريك أم لا، فمن المهم رؤية إذا ما كان من الممكن التوصل إلى اتفاق.. استخدام مبرر عدم وجود شريك يخدم مصالح أولئك الذين يقولون إن الاتفاق فشل”. ليفني تابعت: “هم (تقصد اليمين الإسرائيلي) أرادوا لاتفاق أوسلو أن يفشل ولم يريدوا مواصلة تطبيقه، فقد أحبوا الوضع القائم”. وأردفت: “هم يشتكون منه (اتفاق أوسلو) ولكنهم يعتمدون عليه، وعندما تقول لهم تولوا مسؤولية الصحة والتعليم وغيرها، فإنهم يقولون إن السلطة الفلسطينية تتولى هذا الأمر (وفقا للاتفاق)”. ومواصلةً انتقادها لليمين الإسرائيلي، قالت ليفني: “هم عملوا أيضا على إضعاف السلطة الفلسطينية إلى مستوى لا تسقط فيه بالكامل لمواصلة استخدامها وفي الوقت نفسه استخدام مبرر أنه لا يوجد شريك”. وزادت: “يقولون إن الاتفاق فشل ولكنهم لا يلغونه.. الحكومة الحالية هي حكومة اليمين، ولكنهم لا يقومون بذلك (إلغاء الاتفاق)؛ لأنهم يعلمون ثمن ذلك”.
ويتمسك المجتمع الدولي بحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وفقا لمبدأ الدولتين بقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ويحذر مسؤولون دوليون من أن غياب تطبيق حل الدولتين سيجر الشرق الأوسط نحو حل الدولة الواحدة، حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية، وهو ما ترفضه إسرائيل أيضا.