سعيد محمد – لندن: الهويّات الملتبسة، “المعلوفيّة” حالةً
لنكن صرحاء. أمين معلوف، تاجر الأنتيكات الشرقيّة، المكرّس كبيراً لخدم الثقافة الرسميّة الفرنسيّة، ليس فريد عصره، كمثقف من دول الجنوب ذي بشرة سمراء، انتهى مرتدياً لقناع أبيض. وعندما يرتدي المرء قناعاً ليُقبل بين السادة البيض، فإنّه بالضرورة سيزدرد الصهينة، وحق مزعوم ل(شعب) ملفّق بإقامة دولة دين قروسطيّة في زمن القوميات، كمكوّن أساس لأكسير العبور الفاوستيّ إلى المجد المصنّع، غونكوراً، وأكاديميات، وتالياً، إلى خلاصة التوحد المرضيّ بنظرة الغربيّ إلى العالم: نوبل.
المعلوف، برغم موهبته التي لا تنكر في صياغة لغة الخبر الصحافي – حدثياً أو مستلاً من التاريخ لا فرق -، ينتمي إلى حالة ملتبسة، لانشطار الهويّة، وتشظي الولاء، وانكسار الوعي أنتجت – فيما أنتجت – بيئة مذعورة أبداً من محيطها، تجد خلاصها حصراً، عبر حبل سُريّ يمتد لقرون من حروب صليبية لا تتوقف فيربطها بروما اليهومسيحيّة، ويبقى أنظارها شاخصة إلى هناك، ودائماً على حطام عروبتها (الأصيلة) المثبتة.
هذه الحالة، تتقبل من بوابة الذّعر إيّاها مشروع الهندسة الاجتماعي البشع المزروع في قلب الشرق كقدر، أبيض، لا مفرّ منه، وتتذاكى بحكم خبرة تدبّر المعاش تاريخياً، فتمد كفّها إلى المستوطنين، العابرين رغماً عنهم، وتدير ظهرها للأصليين المزروعين عميقاً في الأرض، كزيتون لا يبلى إلى قيام الساعة.
حكاية المعلوف، ابن لبنان القتل على الهويّة، مع الصهينة عتيقة وعريقة. فاستعاده أمين الجميل، رئيس الطائفة الفاسد، من منفاه الباريسيّ الاختياريّ ليكون ضمن الوفد (اللبناني – شكلاً -) المشؤوم المعني بالانتقال جنوباً، إلى الكيان، لتلقي التعليمات بعبريّة فصيحة حول اتفاق (سلام) القبور. قبورنا. زار المعلوف، وقتها، كريات شمونة، المستوطنة العبرانية، المغروسة كخنجر في خاصرتنا، وتفقّد، رفقة القتلة الآتين من جزيرة المذعورين اللبنانية، وثلة من جنود جيش (الدّفاع) المنحدرين من أوكرانيا وبولندا ورومانيا والمغرب وأثيوبيا، منازل قيل له وقتها أن نوافذها تكسرّت بسبب قذائف (مجرمة) أسقطها مهووسون معادون للساميّة وللتفرّد المارونيّ في آن، أسكنتهم السلطات (العربيّة) في معازل في محيط الدولة العبرية كي لا تختلط الدماء والأعراق، فتتلوث كل الهويات الملتبسة، التي اخترعها موظفو وزارة المستعمرات في لندن، والتي من الضروري أن تحتفظ بالتباسها لتكون مشيئة لورانس (العرب).
سقط، الجميل (أمين)، وسقط مشروع (سلامه) مع العبريّ، لكن صهينة المعلوف تأجلت ولم تسقط، وهو تجثم عناء الرحلة من باريس إلى سيئة السمعة، بروكسيل، في العام 2013 ليضع يده بيد الروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان، الذي كان يتجوّل متلفعاً الحزن على مقتل ابنه الضابط في جيش الدّفاع الإسرائيلي إبّان العدوان على لبنان عام 2006. كان لقاء حميماً، لحامليّ هويات ملتبسة، لم يعكرّه إطلاقاً، أن الضحايا هذه المرّة ما كانوا من سلالة المهووسين إياها الذين أطلقوا قذائف جرحت مشاعر ال(كريات شمونة)، وإنما عرباً، لبنانيين، وبعضهم ،كان مخدوعاً يقرأ ترجمة “الحروب الصليبية كما رآها العرب”، ويظن أن الريبورتاج الصحفيّ المتحذلق، فيها تأريخ.
ولأن المعلوف هكذا، أي ابن الذعر المتوارث، لم يتحرّج ولو للحظة في الظهور تالياً على تلفزيون اليمين الإسرائيلي (2016). وحتى عندئذ، لم يستغل جدله مع المذيعة العبرية الشمطاء ليحكي عن لبنان. كان فرنسياً محضاً، أو هكذا كان القناع الذي ارتداه يومها، ليطلّ على المستوطنين، أبيضاً لا لبس فيه.
طريق المعلوف إلى العالميّة بعد تطويبه فرانكوفونياً قد يمر بجائزة جروساليم قبل نوبل. وهو، أجزم، لن يقول لا. فأبناء الذّعر الذين خلعوا وجوههم الأصليّة، وبالغوا في طلي وجوههم بمراهم التبييض، عطشى أبديون لايماءات السادة لهم. ثمّ أتريدون من سمسار التحف الشرقيّة أن يترك السّوق لتجار النفط والغاز؟
في 29 سبتمبر 2023. نشرت في موقع كنعان الاليكتروني بتاريخ 1 أكتوبر 2023.