يسين بوغازي: موت السينما والموجة الجديدة فى الجزائر
لم يكن طبيب الكلى رضولن بلباي ( خالد بن طوبال) يدري ان احتفاءه بتلك الافلام المنفردية التى تظهر خلسة بين الحين والآخر فى غفلة من سينما جزائرية هي بحكم الواقع ميتة بلا روح و مهزومة بلا إرادة و عمياء بلا آفاق ؛ لم يكن يدري وهو يحاول أن ينفث فيها روحا افتراضية وهو يسميها بموجة السينما الجديدة الجزائرية بأنها ستأتي يوما كما حلم بها ؛ فالسينما الجزائرية القديمة قد ماتت منذ زمن ولم يعد يربطها بعالم السينما الحالي سوى بعض احاديث الحالمين من محبي السينما إذ ما يزالون يراهنون على عودة شيء غير موجود فقد ماتت السينما القديمة فى الجزائر كمعطى فيلمي وهي فقط فى الارشيفات والخطابات الرنانة وان انتظار عودة سينما ميتة مند ثلاثة عقود بليت قاعاتها ونهش الموت اسمائها وقتل المبتدل المنتظر شغف الأجيال اليافعة لهو ضرب من جنون.
السينما القديمة او الكلاسيكة و المراهنة على صانيعها لن يفيد تماما كمؤسساتها واساليب كلها صارت صدئة بلا حياة ولا شغف بل صارت هي ازمة السينما عندنا.
لذا لم يكن يدري طبيب الكلى أنه على صواب عند احتفائه بموجة السينما الجديدة فى الجزائر وكأنها ستسطع لان قدر التاريخ وتعاقب الليل و النهار لا يخلف وعده.
موجة سينما تتشكل من بقايا سينما قديمة ومن احلامها وانتصاراتها وخيباتها و السينما القديمة التىىصارعت من أجل النجاة من بطش خناحر كثيرة لم تستطع الصمود وربما الأشد بطشا بها اعتبارها سينما ترف ولا يليق بالجزائريين فأستغني عنها وطال الاستغناء لما فاق الثلاثة عقود وعندما استيقضت فى منتصف العقد الثاني من الأليفة الجديدة تريد استرجاع ما أضاعته فى خضم حشاشات ادت الى حدف قضية السينما عندنا و اختفائها بشكلها القديم مع روادها قبل أن تنطفيء جميع الكاميرات فجأة؟! لتأتي محل كل ذلك موجة من السينما الجديدة الآخذة فى التشكل على مقاسات الممنوع والمحظور والبيروقراطي السينمائي ؛ رغمه آخذة فى التشكل و آخذة فى البروز بأفكار من دعم حكومي منفصل جملة وتفصيلا عن الصناعة السينماتوغرافية فهو دعم لا يضمن عروض الفيلم الذي يدعمه ويأتي فى السنوات الاخيرة بعد اغلاق وحل جميع مؤسسات وصناديق السينما التى كانت بمبررات فساد اوعحز ؛ الغريب ان الصناعة السينوغرافية اعليت كونها إستراتيجية حكومية لكن ما تلا صقيع من الصمت والانتظار الى ان انتفض الحكومة نفسها على الوضع السينمائي بعد ان اطلع عليها بعد سنوات من انشاء وحل وزارة الصناعة السينماتوغرافية وإذ بها سينما غير متوفرة على مستويات السينمائيةوالفيلم والقاعات وهي لا ممنوعة ولا مسموحة وما بينهما إداريين ومراكز ولجان بلا أثر سينمائي سوى احاديث الصباح والمساء.
لكن الذي يبدو ان اليافعين الصاعدين الى احلامهم السينمائية يزدحمون فى ساحة السينما فى الأليفة الجديدة يريدون افلامهم التى تبدو صعبة المنال وصعبة الانتاج وصعبة جدا كونها سينما ما تزال تحتفي بالطاعنين فى اعمارهم ان موجة من السينما الجديدة فى الجزائر وسط هذا الوجه السينمائي الكئيب لا أملك سوى انها ستتحلى عبر افلام جديدة برؤى جديدة ربما افلام عن سير الطاغين فى اعمارهم او قصص بيروقراطيات الرجال والنساء لو حكايات مهمشين من سينمائيو الرواد ؛ السينما الجديدة لن ترضى بقصص الدوائر والمشاغر المستهلكة لانها ستكون سينما لتصالح بالافلام وبناء الحياة الجديدة.
أتمنى ان تأتي الموجة الجديدة بسيناريوهات الجرح المجتمعي فى واقعية جزائرية من صميم الوطنيات واتمنى ان تأتي بوثائقيات الايام الحزينة والاحكام الممنوعة وبسير ذاتية عن الانتماء الجزائري وان تأسس السينما صريحة بلا رطوش ولا تبعيات ولا اوامر سينما الانسان والحلم الإنساني الوديع الرائع.