Arabthoughtcouncil...


قراءة هادئة في موقف الجالية العربية الامريكية و المسلمة من الانتخابات

سري بن زهير

October 6, 2024

بين الخيار المُر و الخيار المريح

يدعو الكثير من المخلصين من قيادات و منظمات العرب الامريكيين و المسلمين الى دعم حزب ثالث ( جيل شتاين/ كورنيل وست)في الانتخابات القادمة مستندين الى اعتبارات على رأسها:
١- الحزب الديموقراطي هو من دعم و غطى المجزرة ضد اهلنا في غزة و كذلك في الضفة الغربية و لبنان و ان ادارة بايدن هاريس الديمقراطية لم تضغط على الاطلاق على إسرائيل لوقف اطلاق النار و تجاهلت العدد الهائل من الضحايا المدنيين و استمرت في تزويد إسرائيل بالقنابل الفتاكة ووفرت الغطاء السياسي الدولي لجرائم الحرب و انتهاكات القانون الدولي.
٢- ليس هنالك اية فعل او موقف اكثر او ابشع مما قام به الحزب الديموقراطي في دعم المجزرة و الابادة الجماعيه في غزة و فلسطين و لبنان و عليه فليس هناك شئ أسوأ يمكن لترامب و ادارته الجمهورية في حال فوزه القيام به. ( we already hit bottom )
٣- الحزبين الجمهوري و الديموقراطي هما حزبين متطابقين في سياساتهم عندما يتعلق الموضوع بالسياسة الخارجية و خاصة فيما يتعلق بالشرق الاوسط ( حذاءين في رجلي شخص واحد) و من هنا ضرورة عدم التصويت لاي منهما في الانتخابات.

٤- ان عدم التصويت للمرشحة هاريس و التسبب في خسارة الحزب الديموقراطي الانتخابات لصالح المرشح الجمهوري ترامب سيلقن الحزبين درسًا بان تجاهل مطالب و اماني الجالية العربية و الاسلامية له كلفة سياسية باهظة و من ثم فان الحزبين سيحترمان الجالية العربية و المسلمة و مطالبها في الانتخابات اللاحقة.
٥- ان حصول مرشحة حزب الخضر على نسبة 5% في انتخابات 2024 ستؤهلها للحصول على دعم فيدرالي يصل الى 50 مليون دولار في انتخابات 2028 مما يوفر قاعدة مادية ممتازة لحزب الخضر و من ثم الجالية العربية و المسلمين التاثير في انتخابات 2028 خارج نفوذ الحزبين الرئيسيين و نظام الحزبين المفلس.
في قراءة هادئة بعيدة عن العاطفة لهذه الاعتبارات يتبين لنا التالي:
١- قيام ادارة بايدن الديمقراطية بقيادة الموقف الغربي الداعم لإسرائيل و هبها لنصرة المشروع الغربي الاستعماري في إسرائيل بعد الشعور بتعرض إسرائيل الى خطر يهددها بالزوال هو الموقف الطبيعي التلقائي لقوه دولية كبرى انشأت و رعت إسرائيل اساسا و هو نفسه الموقف البريطاني الفرنسي الخ..
ان هجوم السابع من اكتوبر تم خلال وجود ادارة ديموقراطية و لو تم خلال وجود ادارة جمهورية لما كان ردة فعلها في دعم المجزرة الاسرائيلية و توفير الغطاء السياسي الدولي لها اقل قوة بل من الممكن ان يكون اكثر سوءًا .
٢- ان ما قامت به إسرائيل و مازالت تقوم به من مجازر و جرائم في غزة و الضفة و لبنان و المنطقة هو الفعل العسكري الخشن الذي يهدف الى تحقيق نتايج سياسية و أوضاع جديدة. رغم فظاعة الجرائم الاسرائيلية و حجم الدمار و الترويع للمدنيين الا انها لم تحقق انتصار سياسي بتغيير الخريطة السياسية و الوقائع على الارض. هذا التغيير الذي يؤمنه وصول ترامب من خلال الضغوط على حكام المنطقة ( مصر و الاردن و السعودية) كذلك يوفر وصول ترامب الغطاء السياسي الكامل لنتنياهو لتحقيق النصر المنشود لإسرائيل و من ثم تحويل نتنياهو من مجرم حرب الى بطل قومي و عالمي. هناك فارق كبير في موقف الحملتين حملة الحزب الجمهوري و حملة الحزب الديموقراطي فيما يتعلق باليوم الاول بعد توقف الحرب.
ففي حين تجاهلت ادارة بايدن المجازر و الجرائم ضد الانسانية و استمرت في دعمها لإسرائيل بالاسلحة و القنابل الفتاكة و تغطية جرائمها دوليا الا اننا اذا نظرنا الى اداءها خلال السنوات السابقة ل 7 اكتوبر فهو بقي يراوح في الابقاء على الوضع القائم Status quo و ادارة اللفات في غزة و فلسطين و المنطقة كما هو . طبعا مع عدم التراجع عن قرارات ادارة ترامب التي سبقتها بالاضافة الى غض النظر عن سياسات الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة و التيار الصهيوني الديني بقيادة بن غفير و سموتريتش و اعتداءات المستوطنون المتطرفون المتكررة على القرى الفلسطينية و الاهالي و لكن بالمقابل لم تاخذ ادارة بايدن اية مبادرات كبرى و اكتفت بتدوير الملفات و ادارتها، فلم تتخذ قرارات هامة كتلك التي اتخذتها ادارة ترامب السابقة مثل نقل السفارة الى القدس و ضم الجولان و تقديم مشروع كوشنر و و الغاء الدعم للاونروا و اغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني و فرض المعاهدات الابراهيمية و خطوات اخرى لم تستكمل انجازها كما قيل لضم مستوطنات الضفة الى إسرائيل وان قامت بمحاولات خجولة لم تنجح لاحضار السعودية الى مائدة التطبيع ( فشلت هذه المحاولات بفعل عوائق وضعها نتنياهو الذي يود تأجيل الجائزة الكبرى ( التطبيع مع السعودية) وكل الانجازات حتى يحضر ترامب ليهديها له مقابل الثمن مناسب. بالنسبة لهاريس وان لم تستطع فصل نفسها عن سياسة بايدن البائسة في الشرق الاوسط الا انها اعلنت و بخلاف ترامب و حملته (لفظيا على الاقل) عن تعاطف مع الضحايا المدنيين و ضرورة وقف الحرب و استبدال الرهائن ( استبدال الرهائن اصبح لازمة لفظية مرافقة لوقف اطلاق النار ومعادية لسياسات لنتنياهو الرافضة لذلك) و كذلك اكدت على موقفها بضرورة عدم تغيير الخريطة الجيوسياسية و تغيير وضع السكان في غزة و ضرورة تطبيق حل الدولتين و حق الفلسطنيين في تقرير المصير.
يتحدث ترامب عن ان مساحة إسرائيل صغيرة و انها بحاجة الى توسعة و يستخدم لفظ “فلسطينى ” كاهانة لخصومه الديموقراطيين و يعلن باستمرار ان لديه مشروعه الجاهز للمنطقة و ضمان الاستقرار فيها. ( من السلام الى الازدهار/ كوشنر، المعاهدات الإبراهيمية، التطبيع مع السعودية.. الخ) و قد عبر المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جي دي ڤانس في المناظرة الاخيرة عن الموقف الجمهوري القائل بضرورة عدم الضغط مطلقًا على إسرائيل و ان إسرائيل نتنياهو هي صاحبة الارادة في تحديد سياستها في المنطقة وانه ماعلى الادارة الامريكية سوى دعم إسرائيل نتنياهو ايا كان مسعاها وقد عبر مؤخرا على ضرورة عدم وقوف الادارة الامريكية دون تنفيذ إسرائيل ضربة لتدمير المفاعل النووي الايراني.
– من الجدير بالذكر ان مواقف الحزبين الجمهوري ( ترامب) و الديموقراطي تختلف اختلافا كبيرا في السياسة الخارجية و ينعكس ذلك في المواقف من روسيا/ اوكرانيا و التنافس الاقتصادي السياسي مع الصين و حزب الناتو وغيره من كبريات المسائل الدولية. يبقى جذر الموقف من إسرائيل مسيطرًا عليه من قبل الكونغرس الذي يخضع لهيمنة اللوبي الاسرائيلي الصهيوني الذي ينشط بفعالية في الحملات الانتخابية لمرشحي كلا الحزبين.
– النظام السياسي الامريكي القائم على تنافس الحزبين الرئيسيين نظام قديم و يتجه الى الافلاس و يعطي لمجموعات الضغط و الرشوة السياسية نفوذًا هائلا على مخرجات النظام السياسية. محاولة تغيير هذا النظام السياسي عملية طويلة تتطلب العمل من الداخل و مع بناءً تحالفات جديدة و قوية مع المجموعات و الاقليات المختلفة. مغادرة هذا النظام لفترة طويلة على امل بناءً قوة جديدة مسألة تلغي دور الجالية العربية و المسلمة في امريكا لفترة طويلة في الوقت الذي تتطلب الامور في غزة و المنطقة العربية كل الدعم و المساعدة. تنبه اللوبي الصهيوني لكيفية استغلال نظام الحزبين من داخلهما و حقق نتائج هائلة لدعم إسرائيل.
– بلغ عدد الاصوات التي احصيت في عام 2020 حوالي 155 مليون صوت ( عدد السكان عام 2020 329.5 مليون). يحتاج حزب الخضر حوالي 7.7 مليون صوت ليحقق 5% من الاصوات في الانتخابات الرئاسية القادمة ( بناءا على عدد الاصوات في عام 2020) و قد كان قد حصل حزب الخضر على 3.1 مليون صوت في انتخابات 2020. هل يستطيع العرب و المسلمين دعم حزب الخضر ب 4.6 مليون صوت علما بان العرب الامريكيين و المسلمين يشاركون بنسب تقل عن معدل مشاركة الامريكيين عموماً ( 47% حسب الانتخابات الاخيرة ) مع الاخذ بعين الاعتبار ان العرب الامريكيين و المسلمين المناهضين للتصويت للحزبين الرئيسيين ينقسمون الى ثلاثة مجموعات ، مجموعة تؤيد حزب الخضر ممثلا بجيل شتاين و اخرى تؤيد كورنيل ويست( محدود التواجد على قسائم الانتخابات الا في عددٍ قليل من الولايات)، و مجموعة لا يستهان بها لا ترى جدوى في المشاركة بالتصويت و الانتخاب.

– اتخذت الحركة العربية الامريكية الاهم و الاكثر تأثيرًا في الانتخابات الرئاسية الحالية و التي يحسب لها حساب كبير في الولايات المتأرجحة وخاصة ميتشيغان الا و هي حركة الغير ملتزمين Uncommitted movement قرارا سياسيا هاما مؤخرا بعدم تأييدها لاي حزب ثالث في هذه الانتخابات. رغم ان موقف الحركة التي انطلقت من حضن الحزب الديموقراطي لم يؤيد المرشحة الديموقراطية و يؤكد على الوقوف ضد انتخاب ترامب الا ان عدم وضع جهودها في بوتقة دعم حزب ثالث يفتح الباب على ذراعيه للعرب الامريكيين و المسلمين بان يتحرروا من عقدة الذنب وضرورة التصويت لحزب ثالث و من ثم حرية انتخاب المرشح الاقل سوءًا و الاقل خطورة على القضايا العربية.

من هنا فان أسئلة رئيسية تمثل في ذهن كل متابع لاوضاع العرب الامريكيين و المسلمين الامريكيين.

– على الصعيد المحلي الداخلي الامريكي : هل يستطيع ألعرب الامريكيين و المسلمين من بدء عمل سياسي قاعدي يهدف الى التاثير في الانتخابات القادمةً وفي الحياة السياسية الامريكية عموما بدون تحالفات قوية مع الاقليات الاخرى و على رأسها الامريكيين الافريقيين و اللاتينين و الامريكيين الآسيويين؟ هذه الاقليات التي تنظر الى دعوات مقاطعة حملة هاريس على انها تخريبية و مندسة تؤدي الى فوز ترامب اليميني المتطرف و سقوط اول سيدة من اقلية امريكية افريقية/ هندية تترشح للمنصب.
– و كذلك هل من المنطق ان يسهم العرب الامريكيين و المسلمين في وصول ترامب الى سدة الحكم و هو الذي يثير حملات الاسلام فوبيا هو الذي وعد بوأد الاصوات العربية و المسلمة و بقمع كل الاحتجاجات ضد إسرائيل و خاصة تلك في الجامعات وبترحيل الطلبة الغير امريكيين ذا ما شاركوا في مثل هذه الانشطة و مكافحة حركة. BDS المتنامية.

– على صعيد غزة و فلسطين و المنطقة العربية و الاقليم: هل يساعد العرب الامريكيين و المسلمين اخوتهم في غزة و الضفة و لبنان و المنطقة برمتها باتخاذ موقف عاطفي يغلب عليه التطهر من اعمال الحزبين؟ ام ان الوضع القائم في غزة و المنطقة يتطلب موقف عملي ناضج ينظر ألى النتائج و التطبيقات السياسية الكارثية التي تتحقق بوصول ترامب و التي يسعى الى تحقيقها نتنياهو و حكومته كنتيجة للمجازر و الفظائع المرتكبة. و هذا ما يفسر موقف نتنياهو المماطل و المتصلب الذي يفسره الكثير من المحللين المرموقين في العالم العربي و في العالم على انه كسب للوقت بانتظار وصول ترامب الى البيت الابيض ليس لانتشال إسرائيليين من ازمتها الاخلاقية العالمية فقط بل ليحقق لها كل النتائج السياسية التي تسعى اليها من الاستيلاء على اراضي جديدة في الضفة و غزة و تهجير فلسطينى الضفة الى الاردن و فلسطيني غزة الى مصر بتمويل عربي خليجي على الاكثر.
لعل التصويت لحزب ثالث و الذي يبدو خيارًا صائبًا نقيًا مريحًا ينسجم مع المزاج الشعبي ماهو إلا خيارًا خاطئًا لا يضر فقط بانجازات الجالية العربية الامريكية و المسلمة في الساحة الامريكية و لكن يهدد مستقبل الفلسطينيين في غزة و القطاع و مستقبل المنطقة ككل و ذلك كونه يدعم و يعزز فرصة وصول ترامب الى البيت الابيض.

الكاتب هو مثقف عربي مقيم في منطقة واشنطن الكبرى حيث يساهم في اعمال عدد من المؤسسات العربية الامريكية وهو أمين سر مجلس الفكر العربي و أحد مؤسسيه. يعكس المقال وجهة نظر الكاتب الشخصية و لايمثل موقف آية مؤسسة او جهة.